وشبهتهم أنهم قالوا: إذا قلنا: إن عمل الجوارح من الإيمان؛ فإنه إذا ترك أحد عملاً من أعمال الجوارح فقد ترك الإيمان، فيكون كافراً، فنكون قد أصبحنا كـالخوارج والمعتزلة ! ولذلك قلنا: إن الأصل الجامع الذي يجمع المعتزلة و المرجئة وكل من ضل في الإيمان هو اعتقادهم أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص ولا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتركب .. إلى آخره، فإذا جعلناه ثلاثة أجزاء -أي: اعتقاد وإقرار وعمل بالجوارح- وقَصَّر أحد في أعمال الجوارح فمعنى ذلك أنه ترك الإيمان بالكلية؛ إذ لا يتبعض، فإذا انتفى انتفى كله، وإذا وجد وجد كله، ولذا قال الخوارج : هذا هو الصحيح، فلذلك إذا ارتكب العبد كبيرة أخرجوه من الإيمان، وبذلك ضلوا ومرقوا من الدين، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله: ( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ).
وأما المرجئة -ومنهم مرجئة الفقهاء - فقالوا: كيف نقول: إن الذي يزني أو يسرق أو يشرب الخمر يكون كافراً بالله ورسوله واليوم الآخر؟! فهذا ليس بصحيح؛ إذ قد وجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم في عهده زنى ماعز وزنت المرأة الغامدية والجهنية ، وسرقت المرأة المخزومية ومع ذلك لم يخرجوا من الإسلام، فدل على أن صاحب الكبيرة لا يزال من المؤمنين، فقولكم أيها الخوارج باطل، والصواب أن نخرج العمل من الإيمان، فنقول: ما هو من الإيمان.
وعليه فالإيمان يوجد كاملاً بغير العمل! وهذا مصدر الضلال الذي وقعوا فيه.
فالشبهة هي أننا لو قلنا: إن العمل من الإيمان لكان من ترك العمل أو شيئاً من الواجبات الظاهرة كافراً؛ لأن الماهية تنتفي بانتفاء جزئها؛ لأنها لا تقبل النقص، فلذلك قالوا: إن الإيمان هو ما في القلب وما في اللسان فقط.